تبذل الأم كل ما لديها من جهد لتوفر لطفلها أعلى مستويات الرعاية والاهتمام، وبالتأكيد أفضل تغذية.
وتتوق الأم لهذه المرحلة التي يمكن فيها تزويد طفلها بالمزيد من العناصر الغذائية عن طريق إدخال الطعام الصلب لطفلها الرضيع الذي كان يعتمد اعتمادا تاما على الرضاعة.
وهنا يظهر تحدي جديد للأم وهي تسأل نفسها ماهي المرحلة العمرية التي يكون من الآمن فيها لطفلها تناول الطعام وتقليل اعتماده على الرضاعة.
في أغلب الأحيان يمكن للطفل البدء في تناول الطعام في المرحلة بين الشهر الرابع والسادس. وإن كان الأطباء يفضلون البدء في الشهر السادس.
ومن أهم العوامل التي تحكم ذلك هو استعداد الطفل وقابليته لتناول الطعام ونموه . ومن العلامات التي تساعدك على معرفة ذلك قدرة الطفل على إبقاء رأسه في وضع جيد عند محاولة الجلوس.
ويجب على الأم أن تعرف أن إدخال الطعام للطفل في وقت مبكر قد يكون له أضرار على الطفل من أهمها :
– رفض الطعام.
-السمنة في مرحلة لاحقة من الطفولة .
– والأهم ظهور بعض أنواع الحساسية الغذائية (ظهور أعراض تحسسية لبعض أنواع الطعام) وذلك بسبب افتقار الجهاز الهضمي للطفل لبعض الإنزيمات الهاضمة والذي يجعل من بعض المواد الغذائية عبئا على جسمه الصغير وحتى جهازه المناعي.
ولعل حساسية الألبان عند الرضع من أشهر أنواع الحساسية الغذائية التي تصيب الأطفال. وسنتناول الآن الحديث عن أهم اعراض حساسية الالبان عند الرضع ونوضح للأم شرح للحالة وكيفية التعامل معها.
ماهي حساسية الالبان عند الرضع ؟
يتكون الحليب من مكونين رئيسيين وهما:
الخثارة وهى الجزء الصلب من الحليب، والشرش أو المصل وهو الجزء السائل. ويحتوي كل منهما على مجموعة كبيرة من البروتينات التي قد تسبب الحساسية لكن من أهما بروتين يسمى الكازين casine .
في حساسية حليب الأبقار يتفاعل جسم الطفل بشكل سلبي مع البروتينات الموجودة في الحليب. حيث يرى جهازه المناعي أن هذه البروتينات مصدر خطر عليه. وبالتالي يبدأ الجهاز المناعي في مواجهتها بإفراز الهيستامين وبعض المواد الكيميائية الأخرى .
وتبدأ سلسلة من الأعراض التحسسية في الظهور بعد تناول الحليب.
وفي حالات نادرة تصل هذه البروتينات إلى الطفل عند تناول الأم للحليب عن طريق حليب الثدي. وبنفس الطريقة يتعامل الجهاز المناعي مع هذه البروتينات الآتية مع حليب الأم على إنها مصدر خطر. ويعد جسمه أيضا أسلحته الكيميائية لمواجهتها .
وغالبا ما تظهر اعراض حساسية الالبان عند الرضع في الشهور الأولى من حياة الطفل. حيث تشير التقديرات أن حوالي ٧% من الأطفال دون عمر السنة مصابون بهذا النوع من الحساسية .
لكن أيضا ٥٠% من هؤلاء الأطفال يتعافون منها نهائيا قبل إتمامهم عامهم الأول، و ٧٥% منهم يتعافون قبل العام الثالث، بينما ٩٥% يتعافون قبل بلوغ سن السادسة.
اعراض حساسية الالبان عند الرضع
تُقسم اعراض حساسية الالبان عند الرضع إلى عدة تقسيمات باختلاف نوع التقسيم إلى الآتي:
1- اعراض حساسية الالبان حسب وقت ظهورها
تختلف اعراض حساسية الالبان عند الرضع حسب وقت ظهور الأعراض إلى نوعين :
1- أعراض فورية
حيث تبدأ أعراض الحساسية في الظهور في غضون دقائق من استهلاك حليب الأبقار .
2- أعراض بطيئة أو متأخرة
يظهر هذا النوع من حساسية الالبان عند الرضع بعد ساعات وحتى أيام بعد تناول الحليب، وتكون أعراض خطيرة، وأحيانا مميتة في بعض .
وتشمل الأعراض أماكن متفرقة من الجسم، فقد تكون أعراض جلدية أو تنفسية أو هضمية .
2- اعراض حساسية الالبان الاستجابة المناعية
أ- بسبب الجلوبيولين المناعي IgE) Immunoglobulin mediated reaction)
في هذا النوع يبدأ جسم الطفل بإطلاق الهيستامين ومواد كيميائية أخرى عند تناول الحليب. وعادة ما تظهر الأعراض في غضون (٢٠-٣٠) دقيقة و حتى ساعتين.
وتبدأ سلسلة من الأعراض في الظهور وهي تشمل:
1- أعراض جلدية:
– أرتيكاريا (طفح جلدي وإحمرار مثير للحكة، وقد يسبب غثيان وتورم بالفم والشفتين والحلق).
– انتفاخ الشفاه وحول العينين.
2- أعراض هضمية:
قيء- إسهال- مغص- انتفاخ الشفاه واللسان .
3- أعراض تنفسية:
حكة وحرقان بالأنف- احتقان وسيلان الأنف – قصور أو ضيق التنفس .
ب- ليست بسبب الجلوبيولين المناعي Non IgE ) Non immunoglobulin reactions)
وفى هذا النوع يرتبط ظهور الأعراض التحسسية بنوع من أنواع الخلايا المناعية تسمى الخلايا التائية (T cells). وفي هذه الحالة تظهر الأعراض بعد مدة تتراوح بين ٤٨ ساعة إلى أسبوع من وقت تناول الحليب وهي تشمل:
1- أعراض جلدية:
وتتمثل في حدوث الحكة، والإكزيما (حالة مرضية يحدث فيها احمرار للجلد ويكون مثير للحكة) لا تستجيب للعلاج غالبا .
2- أعراض هضمية:
ارتجاع الحمض المعدي (ارتجاع المريء) – مغص- إسهال أو إمساك- ظهور دم أو مخاط في البراز- احمرار في منطقة البطن .
3- أعراض تنفسية:
ضيق واضطراب التنفس- السعال.
وفي الحالات التي يواجه فيها الطفل صعوبة في التنفس؛ يجب التدخل الطبي العاجل، ويجب نقل الطفل في سيارة الإسعاف. ويحدث هذا في حالات نادرة.
ج- النوع المختلط Mixed IgE and non-IgE
وفي هذه الحالة يحدث التفاعل بالطريقتين بإطلاق الهيستامين واستجابة الخلايا المناعية التائية.
وقد تتسب حساسية الألبان بظهور أعراض أخرى مثل الأنيميا، وسوء الامتصاص نتيجة افتقار النظام الغذائي للطفل لعنصر غذائي هام مثل الحليب وبالتالي جميع مشتقاته.
تشخيص حساسية الألبان
في حال ظنت الأم أن طفلها يعاني من حساسية الألبان، يجب عرض الطفل على طبيب الأطفال في أسرع وقت ممكن.
وسيبدأ الطبيب في الاستفسار عن التاريخ المرضي للعائلة؛ ليعرف ما إن كان أحد أقارب الطفل يعانى من أي نوع من الحساسية الغذائية أو الربو أو الإكزيما أو التهاب الأنف التحسسي .
حيث ترتبط هذه الحساسية بعوامل وراثية وبيئية. فقد ترتفع احتمالية إصابة الطفل بحساسية الألبان إذا كان والده يعاني من نوع من الحساسية الغذائية.
ويستفسر الطبيب أيضا عن الأعراض التي تظهر أولا على الطفل. وقبل اتخاذ أي قرار أو إجراء فحوصات يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك العديد من الحالات التي تعطي أعراضا مشابهة مثل:
حالات مشابهة لاعراض حساسية الالبان عند الرضع
1- أنواع أخري من الحساسية الغذائية.
2- ارتجاع المريء.
3- التهاب القولون الذي يسبب (آلاما بالبطن- إسهال شديد- إرهاق- ضعف في الشهية – ظهور دم في البراز).
4- حساسية الجلوتين Coelic disease: وهو مرض مناعي يهاجم فيه الجسم أنسجته عند تناول الجلوتين (البروتين الموجود في القمح، الشعير والذرة) ويُحدث آلاما في البطن -انتفاخ- عسر الهضم- طفح جلدي مع حكة- اضطراب في التنفس.
5-عدم تحمل الطعام نتيجة صعوبة هضم أطعمة معينة وظهور أعراض تحسسية تجاه هذه الأطعمة مثل الانتفاخ- آلاما في البطن- إسهال- طفح جلدي وحكة.
ولعل من أكثر أنواع عدم تحمل الطعام شيوعا والأقرب لحساسية الألبان هو عدم تحمل اللاكتوز، حيث أنهما يتفقان في كون الحليب هو المسبب.
لكن على عكس حساسية الحليب الناتجة عن بروتينات الحليب، ففي حالة عدم تحمل اللاكتوز العنصر المسبب مختلف. لذلك عادة ما يحدث خلط بين حساسية الألبان وعدم تحمل اللاكتوز.
ما هو عدم تحمل اللاكتوز
يحتوي الحليب علي اللاكتوز. وهو مصدر الكربوهيدرات في حليب جميع الثدييات بما فيها حليب الأم.
ولأن هضم اللاكتوز وتحليله لمكوناته الأبسط (الجلوكوز والجالاكتوز) يحتاج لإنزيم اللاكتيز lactase. ولأن أجسام الأطفال غالبا ما تفتقر لهذا الإنزيم يحدث عدم تحمل اللاكتوز للأطفال.
لكن في حالة عدم تحمل اللاكتوز غالبا ما تظهر ردة الفعل التحسسية تجاه الكميات الزائدة من الحليب.
لذلك في حالة عدم تحمل اللاكتوز قد لا يتطلب الأمر الاستبعاد الكامل للحليب من النظام الغذائي للطفل، وإنما فقط تقليل كمية الحليب المستهلكة وتشمل الأعراض:
– إسهال.
– قرقرة وآلام في البطن.
– قيء.
وعادة يكون عدم تحمل اللاكتوز حالة مؤقتة تختفي بالعلاج. والذي يعتمد علي مدى تحمل الطفل.
فقد يتمكن كما أشرنا من تناول كميات قليلة من الحليب ومشتقاته. على عكس حساسية الحليب التي تتطلب استبعاد الحليب بشكل كامل، ولذلك فإن حالة عدم تحمل اللاكتوز لا تعتبر حساسية.
وبهذا يتبين أن هناك العديد من الحالات المرضية التي تعطي أعراضا مشابهة لحساسية الالبان لذا فالتشخيص الدقيق هو الفيصل.
1- في حالة IgE:
يطلب طبيب الأطفال تحويل الطفل لأخصائي الحساسية ليقوم بعمل الفحوصات اللازمة مثل:
– تحليل الأجسام المضادة IgE
– عمل skin prick (وهو اختبار تشخيصي للحساسية حيث يضع الطبيب على الجلد مواد كيميائية تشبه في تركيبها مسببات الحساسية، والمادة التي تعطي تفاعل إيجابي تكون هي مسبب الحساسية).
2- أما في حالة non.IgE:
لا يتطلب الأمر عرض الطفل على أخصائي الحساسية إلا إذا كانت الأعراض حادة وخطيرة.
لذا فكامل عملية التشخيص معتمدة اعتمادا تاما على الأعراض التي تظهر على الطفل ومدى خطورتها.
وفي حالة عدم عرض الطفل على أخصائي الحساسية؛ سيقوم الطبيب بوصف نظام غذائي لا يحتوي علي الحليب أو مشتقاته سواء للطفل أو الأم في حالة استمرار الرضاعة الطبيعية .
وغالبا ما تختفي اعراض حساسية الالبان عند الرضع من النوع (non.IgE) قبل إتمام الطفل لعامه الثالث. أما في حالة (IgE) فقد تستمر حتى العام الخامس من عمر الطفل.
وتشير الدلائل أنه من المرجح أن تستمر الحساسية إذا كان الطفل يعاني من الربو، أو التهاب الأنف التحسسي، أو إذا كانت تفاعلات الحساسية لديهم أكثر حدة، أو لديهم مستويات عالية من الأجسام المضادة الخاصة ببروتينات الحليب.
ورغم ذلك من النادر جدا أن يعاني البالغون من حساسية الالبان.
الخطة العلاجية للطفل المصاب بحساسية الالبان
في حالة ظهور اعراض حساسية الالبان عند الرضع على الطفل وتشخيص الحالة؛ فيجب على الفور التخلص من الحليب ومشتقاته من النظام الغذائي للطفل والأم في حالة الرضاعة الطبيعية.
وسيساعد الطبيب الأم في تكوين بنية هذا النظام الغذائي. ونظرا لأن الحليب يحتوي على عناصر غذائية ضرورية من أهمها الكالسيوم؛ لذلك يوجه الطبيب الأم للاعتماد علي مصادر غذائية أخرى تحتوي على الكالسيوم مثل :
-شراب الصويا، حليب اللوز
-الحبوب، المكملات الغذائية
-الكرنب، السبانخ، البروكلي
-العصائر الطبيعية.
وبالإضافة للحليب يجب تجنب أي مصدر قد يحتوي على الحليب ومشتقاته مثل:
-الجبن، الزبد، الزبادي، اللبن الرائب.
-الحليب المجفف، الكريمة، الكاسترد.
-الآيس كريم
-الكعك والبسكويت
-اللحوم المعالجة
-الشكولاتة المخلوطة بالحليب
ويجب فصل طعام الطفل بشكل كامل تجنبا للحليب. وتجنب استعمال أدوات المطبخ التي قد تكون استعملت مع الحليب.
وفي حالات نادرة من حساسية الالبان تشمل الحساسية أيضا لحوم الأبقار. لذلك يجب توخي الحذر .
كما قد يضاف للخطة العلاجية للطفل مضادات الهيستامين أو الكريمات الموضعية في حالة الاكزيما.
وأخيرا
فكما أشرنا غالبا ما تشفى حالات اعراض حساسية الالبان عند الرضع خلال عامهم الأول. ولكن يجب على الأم متابعة صغيرها في المرحلة التي تبدأ فيها إدخال الطعام الصلب وملاحظة أي تغير قد يطرأ عليه بعد تناوله للأطعمة المختلفة.
ومتى تلاحظ الأم أي تغير على طفلها بعد تناوله للطعام يجب على الفور استشارة الطبيب لتحديد ما إذا كان الطفل يعاني من حساسية الألبان أو أي نوع من الحساسية الغذائية أو عدم تحمل جسمه الصغير لبعض الأطعمة.
وعندها يتم تحديد المشكلة والطريقة الأمثل لعلاجها تجنبا للأعراض الخطيرة ولضمان نمو صحي للطفل.